بين جبال بسكنتا ووديانها رحلة مشي عبر الفصول في نهار واحد

In collaboration with Annahar platforms: https://www.annahar.com/arabic/article/959781-بين-جبال-بسكنتا-ووديانها-رحلة-مشي-عبر-الفصول-في-نهار-واحد

ناسك الشخروب؟! هل وقفت يوماً عند هذا اللقب؟

هل حاولت فهم سبب النُّسك هذا وما أفاض من قريحة معه؟

واضح أنه نسكٌ فريدٌ من نوعه، بين جبال الشخروب ووديانها، حيث يطفو الضباب تاركاً وراءه خيالات خيالية، وحيث تتدفق الأنهار لتبهر النظر وتطرب السمع، فتسافر بالروح إلى عمق أعماقها، حيث تسود السكينة سكناها، ويلفّ السلام أطيافها، لتمجِّد الخالق وروائع خلقه، وتجدّد العهد بصون الأرض وحماية ما تبقى من طبيعتها، هنا، وفي كل زاوية من لبناننا المبارك.

وهذا الوصف هو أقل ما يمكن أن أنقله بعد ما اختبرته في رحلة مشي عبر أراضي بسكنتا والشخروب منذ أسبوعين، حين لمست ما وراء نسك ولقب شاعرنا وكاتبنا الكبير، ميخائيل نعيمة. وسوف أحملكم معي، من خلال لقطاتي، إلى ذلك العالَم الشاعري المتناغم والمتناقض معاً!

نعم، المتناقض!

فإذا عدنا إلى كلمات المفكر الكبير، ابن هذه المنطقة، ندرك أنّه في أيامه “كانت الفصول منتظمة، تتعاقب بأقصى الدقة ومنتهى النظام والاعتدال. فلا الشتاء يجور على الربيع، ولا الربيع يطمع في الصيف، ولا الصيف يأخذ من حصة الخريف، ولا الخريف يعتدي على ما قُسّم للشتاء”.

أما أيامنا فتشهد عكس ذلك، إذ إن الفصول بالكاد تتبع الرزنامة، وتتشابك بعضها ببعض، فتجمع بين التناقضات في لوحة ولا أجمل، وكأن الربيع يشقّ طريقه وسط الضباب، ويفرض قدومه رغم الثلوج. وكل هذا سببه التغيّر المناخي، الذي ليس له حلّ بعيداً عن التشجير.

والتناقض لم يقتصر فقط على هذه المشاهد، بل امتدّ ليشمل المسير بأكمله، وكأنه رحلة مشي عبر الفصول كلها، وعلى مسافة لا تتعدى الستة عشر كيلومتراً. بدأنا من أعلى المنطقة، حيث زيّنتها بقع الثلج وطيف الضباب، نزولاً إلى وديانها، مروراً بالأنهار والوحول، ثم صعوداً إلى الربيع”!

نعم… كأننا انتقلنا إلى مناخ معاكس في منطقة أخرى ذات طبيعة ربيعية بامتياز.

وهكذا بدأ المسير وسط الضباب وزخّات المطر، وكيفما مشينا نزولاً، ترافقنا الأنهار والينابيع، وأحياناً تقطع طريقنا فارضةً حقّها بالملكية، لتذكّرنا بضرورة احترامها وعدم ترك ما يضرّها وراءنا. كان المشهد يتحوّل تدريجياً، من الأبيض إلى البني، ثم إلى الأخضر.

وكلما اقتربنا من أسفل الوادي، كان هدير النهر يعلو، ويزيدنا شوقاً للُقياه بعد أن عاينّاه من الأعلى.

ويمكنكم مشاهدة مقتطفات من هذه الرحلة عبر حسابي على إنستغرام من خلال هذا الرابط.

والآن، مفاجأة التناقض الذي ذكرته!

وكأننا انتقلنا إلى مكان وزمان مختلفين مع الصعود من الوادي للوصول إلى البلدة، والذي تخللته عدة وقفات ضمن “درب بسكنتا الأدبي”… وسأترك لقطاتي تحكي الوصف بنفسها!

ها نحن نصل إلى البلدة، المزينة بألوان الربيع، بعد أن عبرنا جميع الفصول خلال ساعات قليلة من المشي، ولن تكتمل لحظة الاستراحة إلا بفنجان قهوة طيب يختتم الرحلة بنكهة لا تُنسى!

كيف تصل إلى بسكنتا؟

يمكنكم الوصول إلى بسكنتا عبر كفردبيان أو بكفيا-بتغرين. تقع البلدة في قضاء المتن، محافظة جبل لبنان، على مسافة 43 كلم من بيروت، وتمتد أراضيها على مساحة 48 كيلومتراً مربعاً تقريباً، بتفاوت في الارتفاع، من 2600 م عند قمّة صنين إلى 1000 م في أسفل وادي الجماجم. أما وسط البلدة فيرتفع إلى 1400 م، في حين تقع قناة باكيش على ارتفاع 1660 م.

وقد زرت بسكنتا ومشيت في جميع مناطقها عام 2019، ونقلت تجربة المغامرة على الثلج في قناة باكيش وأرزها، كما قصدتها في رحلة تحت الثلج. يمكنكم العودة إلى هذه التجربة عبر هذين الرابطين :

 قناة باكيش snowshoe ، بسكنتا وسط العاصفة 

بسكنتا: أرض الطبيعة والتاريخ

تتميز بسكنتا بغناها بالأشجار المثمرة والبرية، وبأنهارها كنبع العسل وصنين وباكيش، كما تضم آثاراً تعكس تاريخها العريق، الذي يمتد منذ أيام الفينيقيين، اليونان، الرومان، المردة، وغيرهم من الحكام، حتى العهد العثماني. واسمها يعني “بيت العدل” بالسريانية.

ومن كلمات ابنها المفكر ميخائيل نعيمة، والتي نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى:

“عندما تصبح المكتبة في البيت ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ، عندئذ يمكن القول بأننا أصبحنا قوماً متحضرين”.

كان ميخائيل نعيمة أحد رواد النهضة الفكرية والثقافية، فهو شاعر وكاتب وناقد مسرحي، أسس مدرسة المهاجر التابعة للرابطة القلمية، وتوفي سنة 1988 في بسكنتا عن عمر يقارب المئة عام. وقد نُقش وجهه في الحجر تكريماً له، ويعد هذا المكان من الوجهات السياحية، وهو جزء من درب بسكنتا الأدبي.

الجدير بالذكر أن العديد من أبناء بسكنتا كانوا أدباء، شعراء، نحاتين، وفنانين، وما زالت الحركة الثقافية في بسكنتا والجوار تعمل بجهد لإبراز وجه البلدة الثقافي والأدبي والبيئي على مدى 30 عاماً وحتى اليوم.

كما تضم البلدة كنائس جميلة ومركزاً ثقافياً، ولا يمكننا إلا أن نذكر صليب باكيش، وهو أكبر صليب مضاء في العالم.

لبنان… درب لا ينتهي من الجمال!

مهما وصفنا وتحدثنا، أو عرضنا صوراً، لن نفي هذه المنطقة حقها، تماماً كما هو الحال مع جمال باقي مناطق لبنان، التي أدعوكم لاكتشافها معي عبر نقلي المباشر والعودة إلى الـ الستوريز، علّها تشجّعكم على زيارتها، ودعم سكانها من خلال شراء منتجاتهم، والاستمتاع بمائدتهم الغنية.

تابعوني عبر:

Instagram @ nidal.majdalani 

facebook @ Travelling Lebanon @ Nidal Majdalani

Twitter @ Nidal Majdalani ،

 Travelling Lebanon Blog @ 

Copyright Notice and Sharing Policy

All content, including photographs and articles, is protected under copyright and is not permitted for business or commercial use. Photographs may be reposted on social media platforms only with proper credit and by tagging Nidal Majdalani’s social media accounts. Articles may be shared in their original form but cannot be copied, reproduced, or republished without prior written permission.

Previous
Previous

في "يوم الأرض"... لنحمِ طبيعتنا ونشجّر لبناننا

Next
Next

اللقلوق: من أعلى قممها إلى سهولها وبيوتها وبركها الخيالية… مغامراتي اللقلوقية عبر الفصول